الإپوخي (epoché) - تعليق الحكم
مقدمة عن الإپـوخي في الفلسفة اليونانية

[في اليونانية ’إِپوخي’ (ἐποχή)، يُترجم أيضًا على أنه ’تعليق للاعتقاد’] وهو مصطلح رئيسي في النزعة الشكية القديمة يشير إلى الموقف المعرفي (الإبستمولوجي)، الذي لا ينكر أو يُقِرّ بأي شيء. هو موقف لا يبالي بطبيعة الشيء، حيث ينشأ من أنماط النزعة الشكية. ونظرًا لأن أحاسيسنا لا تخبرنا عن الحقيقة أو الباطل، يجب علينا ألّا نلزم أنفسنا باتخاذ آراء جزافية بل نقوم بمقاومة اغراءات اتخاذ هذه الآراء. وفقًا للشكيين، فإن تعليق الأحكام قد يؤدي إلى السكينة وبالتالي إلى السعادة.
"يأتي تعليق الحكم، عمومًا، بسبب وضع الأشياء في موضع التعارض". ’مخطط بيرونيزم’، إمبيريقوس.
الإپوخي في القاموس التاريخي لهوسرل لجون ج. درومّوند
الإپوخي هو عبارة عن جهاز منهجي يقوم بتعليق مشاركة الفرد في الاعتقاد ومايمتلكه من تخصيصات ضمن السلوك الطبيعي، وأقصد بالاعتقاد، ذلك الاعتقاد بوجود العالم وموضوعاته. إن هذا التعليق له علاقته المتبادلة بما يسميه هوسرل "تقويسًا" (bracketing) للموضوع، بمعنى إزالة الرتبة (index) الوجودية عن الموضوع الذي يكون تحت التجربة. وبذلك يتضمن ’الإپوخي’، تحييد (neutralization) اعتقاد المرء بوجود العالم أو وجود موضوع ما. يمكن تطبيق هذا التحييد في عملية التحول من الاعتقاد إلى الشك، أو في التحول من السلوك الطبيعي إلى السلوك النقدي الذي يميز خاصية التجارب العلمية أو النظرية، أو في التحول إلى سلوك "منطقي" أو "رياضي" أكثر تخصيصًا، يكون اهتمامه منصبًا فيما يتعلق فقط بالعلاقات الاستنتاجية الموجودة بين الفرضيات المختلفة، أو بين الموضوعات التي يتم اعتبارها على نحو صوري بحت، أو في التحول إلى المعرفة الإستطيقية، أو في نهاية المطاف، في التحول إلى السلوك الفينومينولوجي. إن الإپوخي، إذن، هو بشكل عام تعليق للاعتقاد، ولكونه على هذا النحو، فهو لحظة من الإرجاع (reduction) الفينومينولوجي أو الترسندالي، تلك التي فيها يُعاد انتباه المرء/المرأة إلى الأفعال المُقَوّمة للوعي مع موضوعها كما هو معطى ببساطة ودون اعتبار لوجود أو عدم وجود تلك الموضوعات. ومع ذلك ، فإن مصطلح الإپوخي، في الحالة التي يكون فيها التعليق كليًا، يُستخدم أحيانًا للإشارة ببساطة إلى الإرجاع الفينومينولوجي ذاته.
مقدمة لمنهج التقويس (bracketing)
في الفلسفة الأوروبية الحديثة؛ عند هوسرل يعتبر الخطوة الضرورية في الإرجاع (reduction) الفينومينولوجي. حيث أننا في علاقتنا المعرفية مع العالم، نفترض بشكل طبيعي وجود العالم في الخارج زمانيًا ومكانيًا، وأيضًا وجود أنفسنا كأفراد مكونين من المادة والنفس. يزعم هوسرل أننا يجب أن نقوم بـ’تقويس’ هذا السلوك الطبيعي أو "أن نضعه بين هلالين". وهذا لا يعني بذلك أن العالم لم يعد موضوعيًا، ولكن يعني فقط أننا يجب علينا أن نمتنع عن القيام بإثبات الرأي على نحو طبيعي وساذج، وأن نمتنع عن استخدام أي أحكام تشييئية. ويرى هوسرل أننا من خلال استخدامنا لهذا المنهج يمكننا أن نحصر أنفسنا في منطقة التجارب المحضة على نحو ترسندالي، التي من خلالها يعتبر الوعي بشكل صارم على أنه وساطة قصدانية (intentional agency). وبناءً على ذلك، نصبح في وضع يسمح لنا باكتساب حدوس مثالية (eidetic) أو ماهوية تجاه البِنيات المقصودة في التجارب.
"إن المغزى الحقيقي لمنهج ’التقويس’ الفينومينولوجي (Einklammerung) لا يكمن مطلقًا في رفض كل المعرفة التجاوزية وموضوعات المعرفة، ولكن في رفض كل المعرفة العقائدية (الدوغمائية) الساذجة لصالح المعرفة، التي هي وحدها على المدى الطويل، تكون مبررة من وجهة نظر الفنومنولوجيا عن الماهية". الأعمال القصيرة، هوسرل.
التقويس في القاموس التاريخي لهوسرل لجون ج. درومّوند
يستخدم هوسرل الكلمة المجازية "التقويس" كي يقوم بتفسير المعنى المراد من الإرجاع (reduction) الفينومينولوجي. حيث يتضمن الإرجاع إعادة لفت انتباهنا نحو الذاتية الترسندالية المُقَوّمة. ومن أجل القيام بذلك، يزعم هوسرل، بأننا يجب علينا أن نقوم بتعليق مشاركتنا في تخصيصات النظرية العامة المميزة للسلوك الطبيعي، تلك النظرية التي تقوم ببساطة بوضع وجود للعالم والموضوعات التي يتم توجيه انتباهنا الواعي إليها. يخصص هوسرل طبيعة هذا التعليق باعتباره "تقويسًا" للسؤال عن وجود العالم وموضوعاته. وقد يستند هذا المجاز، أي "التقويس" إلى القاعدة الرياضية لدى هوسرل ومفهومه عن العدد المطلق. إن العدد المطلق ’اثنين’، على سبيل المثال، يتم تمثيله بالرمز [2]، وهو رمز يمثل العدد "اثنين" بصرف النظر عن رتبته (index) الموجبة أو السالبة. وبالمثل، فإن المشتغل بالفينومينولوجيا يعتبر أن وعي الموضوعات ليس له رتبة، وهذا يعني، بصرف النظر عن إثبات أو إنكار الموضوعات على أنها موجودة.
المصادر:
1- The Blackwell Dictionary of Western Philosophy by Nicholas Bunnin, Jiyuan Yu
2- Historical Dictionary of Husserls Philosophy by John J. Drummond